فصل: فصل‏:‏يَحرمُ على المكلّف أن يحدِّث عبدَ الإِنسان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار **


 بابُ النّهي عن الافْتِخَار

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏32‏]‏

1/910 وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيرهما، عن عياض بن حِمار الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ تَعالى أوْحَى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَبْغيَ أحَدٌ على أحَدٍ، وَلا يَفْخَرَ أحَدٌ على أحَدٍ‏"‏‏.‏‏(1)

 بابُ النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

1/911 روينا في كتاب الترمذي، عن واثلةَ بن الأسقع رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُظْهِرِ الشَّماتَةَ لأخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (2)

 بابُ تَحريمِ احْتِقار المسلمينَ والسُّخْرِيةِ منهم

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ وَالَّذينَ لا يَجدُونَ إلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏79‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذين آمَنُوا لا يَسخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ وَلا تَابَزُوا بالألْقابِ‏}‏ الآية ‏[‏الحجرات‏:‏11‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ‏}‏ ‏[‏الهمزة‏:‏1‏]‏‏.‏

وأما الأحاديث الصحيحةُ في هذا الباب فأكثرُ من أن تُحصر، وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريم ذلك، واللّه أعلم‏.‏

1/912 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَ لاَ تَدَابَرُوا، وَ لا يَبْغِ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْواناً، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ـ ويشيرِ إلى صدره ثلاثَ مرات ـ بِحَسْبِ امْرىءٍ مِنَ الشَّرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ‏:‏ دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ‏"‏‏.‏(3)

قلتُ‏:‏ ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده لمن تدبره‏.‏

2/913 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ‏:‏ إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال‏:‏ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ‏"‏‏.‏(4)

قلتُ‏:‏ بَطر الحقّ بفتح الباء والطاء المهملة وهو دفعه وإبطاله، وغمطٌ بفتح الغين المعجمة وإسكان الميم وآخره طاء مهملة، ويروى غمص بالصاد المهملة ومعناهما واحد وهو الاحتقار‏.‏

 بابُ غِلَظِ تحريمِ شَهادةِ الزُّور

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏30‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً‏}‏ ‏[‏الإِسراء‏:‏36‏]‏‏.‏

1/914 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بكرة نُفيع بن الحارث رضي اللّه عنه قال‏:‏

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائرِ‏؟‏ ـ ثلاثاً ـ قلنا‏:‏ بلى يا رسول اللّه‏!‏ قال‏:‏ الإِشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكان متكئاً فجلسَ فقال‏:‏ ألا وَقَوْلُ الزُّور وَشَهادَةُ الزُّورِ‏"‏ فما زال يُكرّرها حتى قلنا‏:‏ ليته سكت‏.‏ (5)

قلت‏:‏ والأحاديثُ في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرته كفاية، والإِجماع منعقد عليه‏.‏

 بابُ النهي عن المَنِّ بالعَطِيَّةِ ونحوِها

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بالمَنِّ وَالأذَى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏264‏]‏ قال المفسرون‏:‏ أي لا تُبطلوا ثوابَها‏.‏

1/915 ـ وروينا في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏"‏، قال‏:‏ فقرأها رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثَ مَرَّاتٍ، قال أبو ذرّ‏:‏ خابُوا وخَسِروا مَن هم يا رسولَ اللّه‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏المُسْبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالْحَلِفِ الكاذِبِ‏"‏‏.‏(6)

 بابُ النَّهي عن اللَّعْن

1/916 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ثابت بن الضحَّاك رضي اللّه عنه، وكان من أصحاب الشجرة قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ‏"‏‏.‏‏(7)

2/917 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أنْ يَكُونَ لَعَّاناً‏"‏‏.‏(8)

3/918 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ‏"‏‏.‏‏(9)

4/919 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلا بِغَضَبِهِ وَلا بالنَّارِ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ ‏(10)

5/920 وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا اللَّعّان وَلا الفاحِشِ وَلا البَذيء‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (11)

6/921 وروينا في سنن أبي داود، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّ العَبْد إذَا لَعَنَ شَيْئاً صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إلى السَّماءِ فَتُغْلَقُ أبْوَابُ السَّماءِ دُونَهَا، ثمَّ تَهْبِطُ إلى الأرْضِ فَتُغْلَقُ أبْوَابُها دُونَها، ثُمَّ تأخُذُ يَمِيناً وَشِمالاً، فإذَا لَمْ تَجِدْ مَساغاً رَجَعَتْ إلى الَّذي لُعِنَ، فإن كان أهْلاً لِذَلِكَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ إلى قائِلِها‏"‏‏.‏‏(12)

7/922 وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ لَعَنَ شَيْئاً لَيْسَ بأهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَة عَلَيْهِ‏"‏‏.‏‏(13)

8/923 وروينا في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين رضي اللّه عنهما قال‏:‏بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فَضَجِرَتْ فلعنتها، فسمعَها رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏خُذُوا ما عَلَيْها وَدَعُوها فإنَّها مَلْعُونَةٌ‏"‏ قال عمران‏:‏ فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يَعرض لها أحد‏.‏ (14)

قلت‏:‏ اختلف العلماء في إسلام حصين والد عمران وصحبته، والصحيح إسلامه وصحبته، فلهذا قلت رضي اللّه عنهما‏.‏

9/924 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي برزة رضي اللّه عنه قال‏:‏بينما جاريةٌ على ناقةٍ عليها بعضُ متاع القوم، إذ بصرتْ بالنبيّ صلى اللّه عليه وسلم وتضايقَ بهم الجبلُ فقالت‏:‏ حَلْ اللَّهمّ العنها، فقالَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُصَاحِبُنا ناقَةٌ عَلَيْها لَعْنَةٌ‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏لا تُصَاحِبُنا رَاحِلَةٌ عَلَيْها لَعْنَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى‏"‏‏.‏(15)

قلت‏:‏ حَلْ بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام، وهي كلمة تزجر بها الإِبل‏.‏

 فصل‏:‏ في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين؛ ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة

أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ‏"(16)‏ الحديث، وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرّبا‏"(17)‏ الحديث، وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ المُصَوِّرِينَ‏"‏ ‏(18) وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنارَ الأرْضِ‏"(19)‏ وأنه قال ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ (20)‏ وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ‏"‏(21)‏ وأنه قال ‏"‏مَنْ أحْدَثَ فِينا حَدَثاً أوْ آوَى مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجمَعِينَ‏"‏ ‏(22) وأنه قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللّه وَرَسُولَهُ‏"‏(23) وهذه ثلاث قبائل من العرب، وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ حُرّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فجمَلُوها فَباعُوها‏"‏(24)‏ وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَسَاجِدَ‏"‏(25)‏ وأنه ‏"‏لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال‏"(26)

وجميع هذه الألفاظ في صحيحي البخاري ومسلم بعضها فيهما وبعضها في أحدهما، وإنما أشرتُ إليها ولم أذكر طرقها للاختصار‏.‏

10/925 وروينا في صحيح مسلم، عن جابر‏:‏أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم رأى حِماراً قد وُسِمَ في وجهه فقال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ الَّذي وَسَمَهُ‏"‏‏.‏‏(27)

11/926 وفي الصحيحين، أن ابن عمر رضي اللّه عنهما مرَّ بفتيان من قُريش قد نَصبوا طيراً وهم يرمونه، فقال ابن عمر‏:‏ لعن اللّه من فعلَ هذا، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرُّوحُ غَرَضاً‏"‏‏.‏‏(28)

 فصل‏:‏ اعلم أن لعن المسلم المصون حرامٌ بإجماع المسلمين، ويجوزُ لعنُ أصحاب الأوصاف المذمومة كقولك‏:‏ لعن اللّه الظالمين، لعن اللّه الكافرين، لعن اللّه اليهود والنصارى، ولعن اللّه الفاسقين، لعن اللّه المصوّرين، ونحو ذلك مما تقدَّم في الفصل السابق‏.‏

وأما لعن الإِنسان بعينه ممّن اتَّصَفَ بشيءٍ من المعاصي؛ كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زانٍ أو مصوّرٍ أو سارقٍ أو آكلِ ربا، فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام‏.‏ وأشارَ الغزالي إلى تحريمه إلا في حقّ مَن عَلِمْنَا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبي جهل وفرعونَ وهامانَ وأشباههم، قال‏:‏ لأن اللعن هو الإِبعاد عن رحمة اللّه تعالى، وما ندري ما يُتم به لهذا الفاسق أو الكافر‏.‏ قال‏:‏ وأما الذين لعنَهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأعيانهم فيجوزُ أنه صلى اللّه عليه وسلم عَلِمَ موتَهم على الكفر‏.‏ قال‏:‏ ويقربُ من اللعن الدعاء على الإِنسان بالشرّ حتى الدعاء على الظالم؛ كقول الإِنسان‏:‏ لا أصحَّ اللّه جسمَه، ولا سلَّمه اللّه، وما جرى مجراه، وكلُّ ذلك مذمومٌ، وكذلك لعنُ جميع الحيوانات والجماد فكلُّه مذموم‏.‏

 فصل‏:‏ حكى أبو جعفرُ النحاس عن بعض العلماء أنه قال‏:‏ إذا لعن الإِنسانُ ما لا يستحقّ اللعن، فليبادرْ بقوله‏:‏ إلاّ أن يكون لا يستحقّ‏.‏

 فصل‏:‏ ويجوزُ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وكلّ مؤدِّب أن يقولَ لمن يخاطبه في ذلك الأمر‏:‏ ويلك، أو يا ضعيفَ الحال‏!‏ أو يا قليلَ النظر لنفسه‏!‏ أو يا ظالمَ نفسه‏!‏ وما أشبه ذلك بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظُ قذفٍ، صريحاً كان أو كنايةً أو تعريضاً، ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوزُ ما قدَّمناه ويكون الغرضُ منه التأديب والزجر، وليكونَ الكلامُ أوقعَ في النفس‏.‏

12/927 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً يسوقُ بدنةً، فقال‏:‏ ‏"‏ارْكَبْها‏"‏، فقال‏:‏ إنها بدنة، قال‏:‏ ‏"‏ارْكَبْها‏"‏، قال‏:‏ إنها بدنة، قال في الثالثة‏:‏ ارْكَبْها وَيْلَك‏"‏‏.‏

13/928 وروينا في صحيحيهما، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‏:‏بينا نحن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يَقسم قَسْماً أتاه ذو الخويصرة، رجلٌ من بني تميم، فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ اعدل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أعْدِلْ‏"‏‏.‏‏(29)(‏ البخاري ‏(‏6163‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1064‏)‏ "(‏ البخاري ‏(‏6163‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1064‏)‏"(‏ البخاري ‏(‏6163‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1064‏)‏

14/929 وروينا في صحيح مسلم، عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه‏:‏أن رجلاً خطبَ عندَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ مَنْ يُطع اللّه ورسولَه فقد رشدَ، ومَنْ يعصهِمَا فقد غوى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ، قُلْ‏:‏ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏"‏‏.‏(30)

15/930 وروينا في صحيح مسلم، أيضاً، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما‏:‏أن عبداً لحاطب رضي اللّه عنه جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشكو حاطباً فقال‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ ليدخلنّ حاطبٌ النَّارَ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كَذَبْتَ لا يَدْخُلُها، فإنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ‏"‏‏.‏(31)

16/931 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، قولَ أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه لابنه عبد الرحمن حين لم يجده عشَّى أضيافه‏:‏ يا غنثر، وقد تقدم بيان هذا الحديث في كتاب الأسماء‏.‏ (32)

17/932 وروينا في صحيحيهما‏:‏ أن جابراً صلَّى في ثوب واحد وثيابه موضوعة عنده، فقيل له‏:‏ فعلتَ هذا‏؟‏ فقال‏:‏ فعلته ليراني الجهّالُ مثلكُم، وفي رواية‏:‏ ليراني أحمق مثلك‏.‏

(33)

 بابُ النَّهي عن انتهارِ الفُقَراءِ والضُّعَفاءِ واليتيم والسَّائلِ ونحوهم، وإلانةُ القوْل لهم والتواضعُ معهم

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فأمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وأمَّا السَّائلَ فَلا تَنْهَرْ‏}‏ ‏[‏الضحى‏:‏ 9ـ10‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏52‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُريدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 28‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاخْفِضْ جَناحَكَ للِمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏88‏]‏‏.‏

1/933 وروينا في صحيح مسلم، عن عائذ بن عمرو بالذال المعجمة الصحابي رضي اللّه عنه؛أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا‏:‏ ما أخذتْ سيوفُ اللّه من عنق عدوّ اللّه مأخذها، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه‏:‏ أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدِهم، فأتى النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال‏:‏ ‏"‏يا أبا بَكْرٍ‏!‏ لَعَلَّكَ أغْضَبْتَهُمْ‏؟‏ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ‏"‏ فأتاهم فقال‏:‏ يا إخوتاه‏!‏ أغضبتُكم‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا‏.‏ ‏(34)

قلت‏:‏ قوله مأخذَها، بفتح الخاء‏:‏ أي لم تستوفِ حقها من عنقه لسوء فعاله‏.‏

 بابٌ في ألفاظٍ يُكرهُ استعمالُها

1/934 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن حُنيف، وعن عائشة رضي اللّه عنهما،

عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي‏"‏‏.‏‏(35)

2/935 وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن عائشة رضي اللّه عنها،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ جاشَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي‏"‏ ‏(36)‏قال العلماء‏:‏ معنى لَقِسَتْ وجاشت‏:‏ غثت؛ قالوا‏:‏ وإنما كُرِه خبثت للفظ الخبث والخبث‏.‏

قال الإِمام أبو سليمان الخطابي‏:‏ لقست وخبثت معناهما واحد، وإنما كُره خبث للفظ الخبث وبشاعة الاسم منه، وعلَّمهم الأدب في استعمال الحسن منه وهجران القبيح، وجاشت بالجيم والشين المعجمة، ولقست بفتح اللام وكسر القاف‏.‏

 فصل‏:‏

3/936 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يَقُولُونَ الكَرْمَ، إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المؤْمِنِ‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏لا تُسَمُّوا العِنَب الكَرْمَ، فإنَّ الكَرْمَ المُسْلِمُ‏"‏ وفي رواية ‏"‏فإنَّ الكَرْمَ قَلْب المُؤْمِنِ‏"‏‏.‏‏(37)

4/937 وروينا في صحيح مسلم، عن وائلَ بن حِجر رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تَقُولُوا الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا العِنَبَ والحَبَلَةَ‏"‏‏.‏(38)

قلت‏:‏ الحَبَلة بفتح الحاء والباء، ويُقال أيضاً بإسكان الباء قاله الجوهري وغيرُه، والمراد من هذا الحديث النهي عن تسمية العنب كرماً، وكانت الجاهليةُ تسمّيه كرماً، وبعضُ الناس اليوم تُسمّيه كذلك، ونهى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عن هذه التسمية، قال الإِمام الخطابي وغيره من العلماء‏:‏ أشفق النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أن يدعوهم حسنُ اسمها إلى شربِ الخمر المتخذة من ثمرها فسلبَها هذا الاسم، واللّه أعلم‏.‏

 فصل‏:‏

5/938 روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِذَا قالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أهْلَكُهُمْ‏"‏‏.‏‏(39)

قلت‏:‏ روي أهلكُهم برفع الكاف وفتحها، والمشهور الرفع، ويُؤيِّده أنه جاء في رواية رويناها في حلية الأولياء في ترجمة سفيان الثوري ‏"‏فَهُوَ مِنْ أهْلَكِهمْ‏"‏ قال الإِمام الحافظ أبو عبد اللّه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الرواية الأولى، قال بعض الرواة‏:‏ لا أدري هو بالنصب أم بالرفع‏؟‏ قال الحميدي‏:‏ والأشهر الرفع‏:‏ أي أشدُّهم هلاكاً، قال‏:‏ وذلك إذا قال على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدري سرّ اللّه تعالى في خلقه، هكذا كان بعضُ علمائنا يقولُ، هذا كلام الحميدي‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ معناه‏:‏ لا يزالُ يعيبُ الناسَ ويذكرُ مساويهم ويقول‏:‏ فسدَ النَّاسُ وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكُهم‏:‏ أي أسوأ حالاً فيما يَلحقُه من الإِثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدّاه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه ‏"‏معالم السنن‏"‏‏.‏

6/939 وروينا في سنن أبي داود رضي اللّه عنه قال‏:‏ حدّثنا القعنبي، عن مالك، عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكر هذا الحديث، ثم قال‏:‏قال مالكٌ‏:‏ إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس قال‏:‏ يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي يُنهى عنه‏.‏ ‏(40)

قلتُ‏:‏ فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة وهو أحسن ما قيل في معناه وأوجز، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالك رضي اللّه عنه‏.‏

 فصل‏:‏

7/940 روينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الصحيح، عن حذيفةَ رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تَقُولُوا ما شاءَ اللَّهُ وَشاءَ فُلانٌ، وَلَكِنْ قولُوا ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ما شَاءَ فُلانٌ‏"‏‏.‏(41)

قال الخطابي وغيره‏:‏ هذا إرشادٌ إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، وثم للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدَهم صلى اللّه عليه وسلم إلى تقديم مشيئة اللّه تعالى على مشيئة مَن سواه‏.‏ وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكرهُ أن يقول الرجل‏:‏ أعوذ باللّه وبك؛ ويجوز أن يقول‏:‏ أعوذ باللّه ثم بك؛ قالوا‏:‏ ويقول‏:‏ لولا اللّه ثم فلان لفعلت كذا، ولا تقل‏:‏ لولا اللّه وفلان‏.‏

 فصل‏:‏ ويُكره أن يقول‏:‏ مُطرنا بنوْءِ كذا، فإن قاله معتقداً أن الكوكب هو الفاعل فهو كفر، وإن قاله معتقداً أن اللّه تعالى هو الفاعل وأن النوْءَ المذكور علامة لنزول المطر لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروهاً لتلفظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعملُه، مع أنه مشتركٌ بين إرادة الكفر وغيره، وقد قدَّمنا الحديث الصحيح المتعلق بهذا الفصل في باب ما يقول عند نزول المطر‏.‏

 فصل‏:‏ يحرمُ أن يقولَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديّ أو نصراني، أو بريءٌ من الإسلام ونحو ذلك، فإن قاله وأرادَ حقيقة تعليق خروجه عن الإِسلام بذلك صارَ كافراً في الحال وجرتْ عليه أحكامُ المرتدّين، وإن لم يُردْ ذلك لم يكفرْ، لكن ارتكبَ محرّماً، فيجبُ عليه التوبة، وهي أن يُقلعَ في الحال عن معصيته ويندمَ على ما فعل ويَعْزِمَ على أن لا يعودَ إليه أبداً ويستغفر اللّه تعالى ويقول‏:‏ لا إله إلاَّ اللّه محمدٌ رسولُ اللّه‏.‏

 فصل‏:‏ يحرم عليه تحريماً مغلّظاً أن يقولَ لمسلم‏:‏ يا كافر‏!

8/941 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا قالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ‏:‏ يا كافِرٌ‏!‏ فَقَدْ باءَ بِها أحَدُهُما، فإن كانَ كما قال وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

9/942 وروينا في صحيحيهما، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏مَنْ دَعا رَجُلاً بالكُفْرِ أوْ قَالَ عَدُوُّ اللَّه ـ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ـ إلاَّ حارَ عَلَيْهِ‏"‏ وهذا لفظ رواية مسلم، ولفظ البخاري بمعناه، ومعنى حارَ‏:‏ رجع‏.‏ (42)

 فصل‏:‏ لو دعا مسلم على مسلم فقال‏:‏ اللَّهمّ اسلبه الإِيمانَ عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء‏؟‏ فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتاوى أصحُّهما لا يكفر، وقد يُحتجّ لهذا بقول اللّه تعالى إخباراً عن موسى صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا‏}‏ الآية ‏[‏يونس‏:‏ 88‏]‏، وفي هذا الاستدلال نظر، وإن قلنا إنَّ شرعَ من قبلنَا شرعٌ لنا‏.‏

 فصل‏:‏ لو أكرهَ الكفّار مسلماً على كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئنّ بالإِيمان لم يكفر بنصّ القرآن ‏(‏قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاّ مَن أُكره وقلبه مطمئن بالإِيمان‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏106‏]‏‏)‏ وإجماع المسلمين، وهل الأفضل أن يتكلَّم بها ليصونَ نفسَهُ من القتل‏؟‏ فيه خمسةُ أوجه لأصحابنا، الصحيحُ أن الأفضلَ أن يصبرَ للقتل ولا يتكلّم بالكفر، ودلائلُه من الأحاديث الصحيحة وفعل الصحابة رضي اللّه عنهم مشهورة، والثاني الأفضلُ أن يتكلَّمَ ليصونَ نفسَه من القتل‏.‏ والثالث إن كان في بقائه مصلحةٌ للمسلمين بأن كان يرجو النكايةَ في العدوّ أو القيام بأحكام الشرع، فالأفضلُ أن يتكلَّم بها، وإن لم يكن كذلك فالصبرُ على القتل أفضل‏.‏ والرابع إن كان من العلماء ونحوهم ممّن يُقتدى بهم فالأفضلُ الصبر لئلا يغترّ به العوامّ‏.‏ والخامسُ أنه يجبُ عليه التكلّم لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏195‏]‏ وهذا الوجه ضعيف جداً‏.‏

 فصل‏:‏ لو أكره المسلمُ كافراً على الإِسلام فنطقَ بالشهادتين، فإن كان الكافرُ حربياً صحّ إسلامه، لأنه إكراه بحقّ؛ وإن كان ذميّاً لم يصِرْ مسلماً لأنّا التزمنا الكفّ عنه، فإكراهُه بغير حق، وفيه قولٌ ضعيفٌ أنه يصيرُ مسلماً لأنه أمره بالحقّ‏.‏

 فصل‏:‏ إذا نطقَ الكافرُ بالشهادتين بغير إكراه، فإن كان على سبيل الحكاية بأن قال‏:‏ سمعتُ زيداً يقول‏:‏ لا إِله إِلاَّ اللّه محمدٌ رسولُ اللّه‏.‏ لم يُحكم بإسلامه، وإن نطقَ بهما بعد استدعاء مسلم بأن قال له مسلمٍ‏:‏ قل لا إِله إلاَّ اللّه محمدٌ رسولُ اللّه، فقالهما، صارَ مسلماً؛ وإن قالهما ابتداءً لا حكايةً ولا باستدعاء، فالمذهبُ الصحيحُ المشهورُ الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يصيرُ مسلماً، وقيل لا يصيرُ لاحتمال الحكاية‏.‏

 فصل‏:‏ ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر المسلمين خليفة اللّه، بل يُقال الخليفة، وخليفةُ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأميرُ المؤمنين‏.‏

روينا في شرح السنّة للإِمام أبي محمد البغوي رضي اللّه عنه قال رحمه اللّه‏:‏ لا بأسَ أن يُسمَّى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة، وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له‏.‏ قال‏:‏ ويُسمَّى خليفة لأنه خلفَ الماضي قبلَه وقام مقامه‏.‏ قال‏:‏ ولا يُسمى أحدٌ خليفة اللّه تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إني جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏30‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا دَاوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفةً في الأرْضِ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏26‏]‏ وعن ابن أبي مُليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه‏:‏ يا خليفة اللّه‏!‏ فقال‏:‏ أنا خليفة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأنا راضٍ بذلك‏.‏

وقال رجلٌ لعمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ يا خليفة اللّه‏!‏ فقال‏:‏ ويلَك لقد تناولتَ تناولاً بعيداً، إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أمورَكم فسمَّيتُوني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك‏.‏

وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه ‏"‏الأحكام السلطانية‏"‏ أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً؛ لأنه خلفَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أُمته، قال‏:‏ فيجوز أن يُقال الخليفة على الإِطلاق، ويجوز خليفة رسول اللّه‏.‏

قال‏:‏ واختلفوا في جواز قولنا خليفة اللّه، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏39‏]‏ وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك ونسبُوا قائلَه إلى الفجور، هذا كلام الماوردي‏.‏

قلتُ‏:‏ وأوّلُ مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم‏.‏ وأما ما توهمه بعضُ الجهلة في مسيلمة فخطأٌ صريح وجهلٌ قبيح مخالف لإِجماع العلماء، وكُتبهم متظاهرة على نقل الاتفاق على أن أوّل مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏.‏

وقد ذكر الإِمام الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في كتابه ‏"‏الاستيعاب‏"‏ في أسماء الصحابة رضي اللّه عنهم بيان تسمية عمر أمير المؤمنين أوّلاً، وبيان سبب ذلك، وأنه كان يُقال في أبي بكر رضي اللّه عنه خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

 فصل‏:‏ يحرمُ تحريماً غليظاً أن يقولَ للسلطان وغيره من الخلق شاهان شاه، لأن معناه ملك الملوك، ولا يُوصف بذلك غير اللّه سبحانه وتعالى‏.‏

10/943 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه عن النبيّ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ‏"‏ وقد قدّمنا بيان هذا في كتاب الأسماء، وأن سفيانَ بن عيينة قال‏:‏ ملك الأملاك مثل شاهان شاه‏.‏ (43)

 فصل‏:‏ في لفظ السيد‏.‏ اعلم أن السيد يُطلق على الذي يفوق قومَه ويرتفعُ قدرُه عليهم، ويُطلق على الزعيم والفاضل، ويُطلق على الحليم الذي لا يستفزّه غضبُه، ويُطلق على الكريم وعلى المالك وعلى الزوج، وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بإطلاق سيد على أهل الفضل‏.‏

11/944 فمن ذلك ما رويناه في صحيح البخاري، عن أبي بكرةَ رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم صَعِدَ بالحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما المنبرَ فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللّه تعالى أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ‏"‏‏.‏‏(44)

12/945 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ‏"‏ أو ‏"‏خَيْرِكُمْ‏"‏ كذا في بعض الروايات ‏"‏سيّدكم أو خيرِكم‏"‏ وفي بعضها ‏"‏سيّدكم‏"‏ بغير شك‏.‏ (45)

13/946 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن سعدَ بن عبادة رضي اللّه عنه قال‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ أرأيتَ الرجلَ يجدُ مع امرأته رجلاً أيقتله‏؟‏ الحديث، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏انْظُرُوا إلى ما يَقُولُ سَيِّدُكُمْ‏"‏‏.(46)‏‏(‏ مسلم ‏(‏1498‏)‏ ولفظه‏:‏ ‏ ‏اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم‏ ‏، قال ابن علاّن‏:‏ وأخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود‏.‏‏)‏ "‏‏(‏ مسلم ‏(‏1498‏)‏ ولفظه‏:‏ ‏ ‏اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم‏ ‏، قال ابن علاّن‏:‏ وأخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود‏.‏‏)‏"‏‏(‏ مسلم ‏(‏1498‏)‏ ولفظه‏:‏ ‏"‏اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم‏"‏، قال ابن علاّن‏:‏ وأخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود‏.‏‏)‏

وأما ما وردَ في النهي‏:‏

14/947 فما رويناه بالإِسناد الصحيح في سنن أبي دَاود، عن بريدة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَقُولُوا لِلمُنافِقِ سَيِّدٌ، فإنَّه إنْ يَكُ سَيِّداً فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ‏"‏‏.‏‏(47)

قلت‏:‏ والجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلاً خيّراً، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك؛ وإن كان فاسقاً، أو متهماً في دينه، أو نحو ذلك كُره له أن يقال سيّد‏.‏ وقد روينا عن الإِمام أبي سليمان الخطابي في معالم السنن في الجمع بينهما نحو ذلك‏.‏

 فصل‏:‏ يُكره أن يقول المملوك لمالكه‏:‏ ربي، بل يقول، سيدي، وإن شاء قال‏:‏ مولاي‏.‏ ويُكره للمالك أن يقول‏:‏ عبدي وأمتي، ولكن يقول‏:‏ فتايَ وفتاتي أو غلامي‏.‏

15/948 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُلْ أحَدُكُمْ أطْعِمْ رَبَّكَ، وَضّىءْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ‏:‏ سَيِّدِيِ وَمَوْلايَ؛ وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ عبْدِي أمَتِي، وَلْيَقُلْ‏:‏ فَتايَ وَفَتاتِي وَغُلامي‏"‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏"‏وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ سَيِدي وَمَوْلايَ‏"‏ وفي رواية له‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ عَبْدِي وَأمَتِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا يَقُلِ العَبْدُ رَبي وَلْيَقُلْ سَيِّدِي‏"‏ وفي رواية له‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ عَبْدِي وَأمَتي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلامي وَجارِيَتِي وَفَتايَ وَفَتاتِي‏"‏‏.‏

قلتُ‏:‏ قال العلماء‏:‏ لا يُطلق الربُّ بالألف واللام إلاّ على اللّه تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال‏:‏ ربّ المال، وربّ الدار، وغير ذلك‏.‏ ومنه قول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالّة الإِبل ‏"‏دَعْها حتَّى يَلْقاها رَبُّها‏"‏ (48) ‏:‏ ربّ الصُّرَيْمة والغُنَيْمة، ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة‏.‏

وأما استعمال حملة الشرع ذلك فأمر مشهور معروف‏.‏ قال العلماء‏:‏ وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه‏:‏ ربي، لأن في لفظه مشاركة للّه تعالى في الربوبية‏.‏ وأما حديث ‏"‏حتى يلقاها ربُّها‏"‏ و‏"‏ربّ الصريمة‏"‏ وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول ربّ الدار وربّ المال‏.‏ وأما قول يوسف صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏اذكرني عند ربك‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏42‏]‏ فعنه جوابان‏:‏ أحدهما أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى اللّه عليه وسلم للسامري‏:‏ ‏{‏وَانْظُرْ إلى إلهك‏}‏ ‏[‏طه‏:‏97‏]‏ أي الذي اتخذته إلهاً‏.‏ والجواب الثاني أن هذا شرعُ مَنْ قَبْلنَا، وشرعُ من قبلنا لا يكون شرعاً لنا إذا ورد شرعُنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه‏.‏ وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع من قبلنا إذا لم يردْ شرعُنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعاً لنا أم لا‏؟‏‏.‏

 فصل‏:‏ قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه ‏"‏صناعة الكتاب‏"‏‏:‏ أما المولى فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين‏:‏ مولاي‏.‏ قلت‏:‏ وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس‏:‏ يقال سيد لغير الفاسق، ولا يقال السيد بالألف واللام لغير اللّه تعالى؛ والأظهر أنه لا بأس بقوله المولى والسيد بالألف واللام بشرطه السابق‏.‏

 فصل‏:‏ في النهي عن سبّ الريح‏.‏ وقد تقدم الحديثان في النهي عن سبّها وبيانهما في باب ما يقول إذا هاجت الريح (49).‏

 فصل‏:‏ يُكره سبّ الحمى‏.‏

16/949 روينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي اللّه عنه‏:‏أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخلَ على أُمّ السائب أو أُمّ المسيب فقال‏:‏ ‏"‏ما لَكِ يا أُمّ السَّائِبِ‏!‏ ـ أو يا أُمّ المسيِّب ـ تُزَفْزِفِينَ‏؟‏‏"‏ قالت‏:‏ الحمّى لا باركَ اللّه فيها، فقال‏:‏ ‏"‏لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بني آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ‏"‏‏.‏(50)

قلتُ‏:‏ تزفزفين‏:‏ أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه‏:‏ ترتعد، وهو بضم التاء وبالزاي المكرّرة، وروي أيضاً بالراء المكرّرة، والزاي أشهر؛ وممّن حكاهما ابن الأثير؛ وحكى صاحب المطالع الزاي، وحُكي الراء مع القاف؛ والمشهور أنه بالفاء سواء بالزاي أو بالراء‏.‏

 فصل‏:‏ في النهي عن سبّ الديك‏.‏

17/950 روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن زيد بن خالد الجهني رضي اللّه عنه قال‏:‏

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَسُبُّوا الدّيكَ، فإنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ‏"‏‏.‏‏(51)

 فصل‏:‏ في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية وذمّ استعمال ألفاظهم‏.‏

18/951 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدعا بِدَعْوى الجَاهِليَّةِ‏"‏ وفي رواية ‏"‏أوْ شَقَّ أوْ دعا‏"‏ بأو‏.‏ (52)

 فصل‏:‏ ويُكره أن يُسمَّى المحرَّمُ صفراً، لأن ذلك من عادة الجاهلية‏.‏

 فصل‏:‏ يحرمُ أن يُدعى بالمغفرة ونحوها لمن مات كافراً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ما كانَ لِلنَّبيّ والَّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولي قُرْبَى مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُمْ أصْحابُ الجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏113‏]‏ وقد جاء الحديث بمعناه، والمسلمون مجمعون عليه‏.‏

 فصل‏:‏ يحرم سبّ المسلم من غير سبب شرعي يجوّز ذلك‏.‏

19/952 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ‏"‏‏.‏

ورويناه في صحيح مسلم، وكتابي أبي داود والترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‏.‏ وصحّ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏المُسْتَبَّانِ ما قالا، فَعَلى البادِىءِ مِنْهُما ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (53)

 فصل‏:‏ ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه، يا حمار‏!‏ يا تيس‏!‏ يا كلب‏!‏ ونحو ذلك؛ فهذا قبيح لوجهين‏:‏ أحدهما أنه كذب، والآخر أنه إيذاء؛ وهذا بخلاف قوله‏:‏ يا ظالم‏!‏ ونحوه، فإن ذلك يُسامح به لضرورة المخاصمة، مع أنه يصدق غالباً، فقلّ إنسانٌ إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها‏.‏

 فصل‏:‏ قال النحاس‏:‏ كرهَ بعضُ العلماء أن يُقال‏:‏ ما كان معي خَلْقٌ إلاّ اللَّه‏.‏ قلت‏:‏ سبب الكراهة بشاعةُ اللفظ من حيث أن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً وهو هنا مُحال، وإنما المراد هنا الاستثناء المنقطع، تقديرُه ولكن كان اللّه معي، مأخوذ من قوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ‏}‏ وَيَنْبغي أن يُقال بدلَ هذا‏:‏ ما كان معي أحدٌ إلاَّ اللّه سبحانه وتعالى، قال‏:‏ وكره أن يُقال‏:‏ اجلس على اسم اللّه، وليقلْ اجلس باسم اللّه‏.‏

 فصل‏:‏ حكى النحّاسُ عن بعض السلف أنه يُكره أن يقولَ الصائمُ‏:‏ وحقِّ هذا الخاتم الذي على فمي، واحتجّ له بأنه إنما يُختم على أفواه الكفار، وفي هذا الاحتجاج نظر، وإنما حجته أنه حلفٌ بغير اللّه سبحانه وتعالى، وسيأتي النهي عن ذلك إن شاء اللّه تعالى قريباً، فهذا مكروهٌ لما ذكرنا، ولما فيه من إظهار صومه لغير حاجة، واللّه أعلم‏.‏

 فصل‏:‏

20/953 روينا في سنن أبي داود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أو غيره،عن عمران بن الحصين رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كنّا نقول في الجاهلية‏:‏ أنعم اللّه بك عيناً، وأنعم صباحاً، فلما كان الإِسلام نُهينا عن ذلك‏.‏ قال عبد الرزاق‏:‏ قال معمر‏:‏ يُكره أن يقول الرجل‏:‏ أنعم اللّه بك عيناً، ولا بأس أن يقول‏:‏ أنعم اللّه عينَك‏.‏ قلتُ‏:‏ هكذا رواه أبو داود عن قتادة أو غيره، ومثل هذا الحديث قال أهل العلم‏:‏ لا يُحكم له بالصحة، لأن قتادة ثقة وغيرُه مجهول، وهو محتمل أن يكون عن المجهول فلا يثبتُ به حكم شرعي، ولكن الاحتياط للإِنسان اجتناب هذا اللفظ لاحتمال صحته، ولأن بعض العلماء يحتجّ بالمجهول، واللّه أعلم‏.‏

 فصل‏:‏ في النهي أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده‏.‏

21/954 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا كُنْتُمْ ثَلاثَة فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ مِنْ أجْلِ أنَّ ذلكَ يُحْزنُهُ‏"‏‏.‏‏(54)

22/955 وروينا في صحيحيهما، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إِذَا كانُوا ثَلاَثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الثَّالِثِ‏"‏ (55)‏ورويناه في سنن أبي داود، وزاد ـ قال أبو صالح الراوي ـ عن ابن عمر‏:‏ قلتُ لابن عمر‏:‏ فأربعة‏؟‏ قال‏:‏ لا يضرّك‏.‏

 فصل‏:‏ في نهي المرأة أن تخبرَ زوجَها أو غيرَه بحسنِ بدنِ امرأةٍ أخرى إذا لم تدعُ إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك‏.

23/956 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُباشِرِ المرأةُ المَرأةَ فَتَصِفُها لزَوْجِها كأنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا‏"‏‏.‏

(56)

 فصل‏:‏ يُكره أن يُقال للمتزوّج‏:‏ بالرِّفاءِ والبنينَ، وإنما يُقال له‏:‏ باركَ اللّه لك وباركَ عليك، كما ذكرناه في كتاب النكاح‏.‏

 فصل‏:‏ روى النَّحاسُ عن أبي بكر محمد بن يحيى ـ وكان أحدَ الفقهاء الأدباء ـ أنه قال‏:‏ يُكره أن يُقال لأحدٍ عند الغضب‏:‏ اذكر اللّه تعالى؛ خوفاً من أن يحملَه الغضبُ على الكفر، قال‏:‏ وكذا لا يُقال له‏:‏ صلّ على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، خوفاً من هذا‏.‏

 فصل‏:‏ من أقبح الألفاظ المذمومة، ما يَعتادُه كثيرون من الناس إذا أرادَ أن يَحلِفَ على شيءٍ فيتورّع عن قوله‏:‏ واللّه، كراهيةَ الحنث أو إجلالاً للّه تعالى وتصوّناً عن الحلف، ثم يقول‏:‏ اللّه يعلم ما كان كذا، أو لقد كان كذا ونحوه، وهذه العبارةُ فيها خطرٌ، فإن كان صاحبُها متيقناً أن الأمر كما قال فلا بأس بها، وإن كان تشكَّكَ في ذلك فهو من أقبح القبائح لأنه تعرّضَ للكذب على اللّه تعالى، فإنه أخبرَ أن اللّه تعالى يعلمُ شيئاً لا يتيقنُ كيف هو‏.‏ وفيه دقيقة أخرى أقبحُ من هذا، وهو أنه تعرّض لوصف اللّه تعالى بأنه يعلمُ الأمرَ على خلاف ما هو، وذلك لو تحقَّقَ كان كافراً، فينبغي للإنِسان اجتنابُ هذه العبارة‏.‏

 فصل‏:‏ ويُكره أن يقولَ في الدّعاء‏:‏ اللَّهم اغفر لي إن شئت، أو إن أردتَ، بل يجزمُ بالمسألة‏.‏

24/957 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ‏:‏ اللَّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسألةَ فإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ‏"‏‏.‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏ولَكنْ ليَعْزِمْ وَلْيُعظِمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ اللّه لا يَتَعاظَمُهُ شَيْءٌ أعْطاهُ‏"‏‏.‏‏(57)

25/958 وروينا في صحيحيهما، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏إذَا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المسألةَ وَلا يَقُولَنَّ اللَّهمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِني فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ‏"‏‏.‏(58)

 فصل‏:‏ ويُكره الحلفُ بغير أسماء اللّه تعالى وصفاته، سواءٌ في ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، والكعبة، والملائكة، والأمانة، والحياة، والروح، وغير ذلك‏.‏ ومن أشدِّها كراهة‏:‏ الحلف بالأمانة‏.‏

26/959 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بأبائِكُمْ، فَمَنْ كانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ باللّه أوْ لِيَصمُت‏"‏ وفي رواية في الصحيح ‏"‏فَمَنْ كانَ حالِفاً فَلا يَحْلِفْ إِلاّ باللَّهِ أوْ لِيَسْكُتْ‏"‏‏.‏(59)

وروينا في النهي عن الحلف بالأمانة تشديداً كثيراً، فمن ذلك‏:‏

27/960 ما رويناه في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن بُريدة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ حَلَفَ بالأمانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا‏"‏‏.‏‏(60)

 فصل‏:‏ يُكره إكثارُ الحلف في البيع ونحوه وإن كان صادقاً‏.‏

28/961 روينا في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي اللّه عنه أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إيَّاكُمْ وكَثْرَةَ الحَلِفِ في البَيْعِ فإنَّهُ يُنْفِقُ ثُمَّ يَمْحَقُ‏"‏‏.‏‏(61)

 فصل‏:‏ يُكره أن يُقال قوسُ قزح لهذه التي في السماء‏.‏

29/962 روينا في حلية الأولياء لأبي نعيم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا تَقُولُوا قَوْسَ قُزَحَ، فإنَّ قُزَحَ شَيْطانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا قَوْسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فهُوَ أمانٌ لأهْلِ الأرْضِ‏"(62)‏قلت‏:‏ قُزح بضم القاف وفتح الزاي، قال الجوهري وغيره‏:‏ هي غير مصروفة وتقولُه العوامّ قدح بالدال وهو تصحيف‏.‏

 فصل‏:‏ يُكره للإِنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ أو نحوها أن يخبرَ غيرَه بذلك، بل ينبغي أن يتوب إلى اللّه تعالى فيقلعَ عنها في الحال ويندمَ على ما فعل ويعزم أن لا يعود إلى مثلها أبداً؛ فهذه الثلاثة هي أركان التوبة لا تصحّ إلا باجتماعها، فإن أخبرَ بمعصيته شيخَه أو شبهَه ممّن يرجو بإخباره أن يعلِّمه مخرجاً من معصيته، أو ليعلِّمَه ما يَسلمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرِّفَه السببَ الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له أو نحوَ ذلك فلا بأسَ به، بل هو حسنٌ، وإنما يُكره إذا انتفتْ هذه المصلحةُ‏.‏

30/963 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال‏:‏سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏كُلُّ أُمّتِي معافىً إلا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُل باللَّيْلِ عَمَلاً ثًمَّ يُصْبحُ وَقَدْ سَتَرَهُ تَعالى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ‏:‏ يا فُلانُ‏!‏ عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وَقَدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏‏(63)

 فصل‏:‏يَحرمُ على المكلّف أن يحدِّث عبدَ الإِنسان أو زوجته أو ابنه أو غلامَه ونحوَهم بما يُفسدهم به عليه، إذا لم يكنْ ما يُحدِّثهم به أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنوا على البِرّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا على الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏2‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏18‏]‏‏.‏

31/964 وروينا في كتابي أبي داود والنسائي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِىءٍ أوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا‏"‏‏.‏(64)

قلتُ‏:‏ خبَّبَ بخاء معجمة ثم باء موحدة مكرّرة ومعناه‏:‏ أفسده وخدعه‏.‏

 فصل‏:‏ ينبغي أن يُقال في المال المخرج في طاعة اللّه تعالى‏:‏ أنفقتُ وشبهُه، فيقال‏:‏ أنفقتُ في حجتي ألفاً، وأنفقتُ في غزوتي ألفين، وكذا أنفقتُ في ضيافة ضيفاني، وفي خِتان أولادي، وفي نكاحي، وشبه ذلك‏:‏ ولا يقولُ ما يقوله كثيرون من العوامّ‏:‏ غَرِمْتُ في ضيافتي، وخسرتُ في حجتي، وضيّعت في سفري‏.‏ وحاصلهُ أن أنفقتَ وشبهه يكونُ في الطاعات‏.‏ وخسرتُ وغرِمتُ وضيّعت ونحوها يكونُ في المعاصي والمكروهات، ولا تُستعمل في الطاعات‏.‏

 فصل‏:‏ مما يُنهى عنه ما يقولُه كثيرون من الناس في الصلاة إذا قال الإِمام ‏(‏إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعينُ‏)‏ فيقول المأموم‏:‏ إياك نعبد وإياك نستعين، فهذا مما ينبغي تركه والتحذير منه، فقد قال صاحب ‏"‏البيان‏"‏ من أصحابنا‏:‏ إنَّ هذا يُبطل الصلاة إلا أن يقصد به التلاوة، وهذا الذي قاله وإن كان فيه نظرٌ، والظاهرُ أنه لا يُوَافق عليه، فينبغي أن يُجتنبَ، فإنه وإن لم يُبطلِ الصلاةَ فهو مكروهٌ في هذا الموضع، واللّه أعلم‏.‏

 فصل‏:‏ مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ مما يبيع أو يشتري ونحوهما، فإنهم يقولون‏:‏ هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات وأشنع المستحدثات، حتى قال بعضُ العلماء‏:‏ من سمَّى هذا حقاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام، والصحيحُ أنه لا يكفرُ إلا إذا اعتقده حقاً مع علمه بأنه ظلم؛ فالصوابُ أن يُقال فيه المكسُ أو ضريبةُ السلطان أو نحو ذلك من العبارات، وباللّه التوفيق‏.‏